المخلاف السليماني في عهد الأشراف آل خيرات بجازان


يكاد يكون النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري هو عصر الهيمنة والسيادة السياسية للأشراف آل خيرات في المخلاف السليماني، فقد تمكن الشريف محمد بن أحمد (ت 1184هـ / 1770م   ) في هذه الفترة من بسط سيطرته على غالبية المخلاف السليماني، وظل أبناؤه من بعده يتناوبون الإمارة حتى أواخر القرن الثالث عشر الهجري النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي.
 
بدأت علاقة الأشراف آل خيرات بالمخلاف السليماني في سنة 1076هـ / 1666م عندما وصل إلى المخلاف الشريف خيرات بن شبير بن بشير بن أبي نمي   قادمًا من مكة، وعندما وصل إلى المخلاف اتخذ من أبي عريش مقرًا لأهله ورحله، وقضى بها بقية حياته منشغلاً بالتدريس والمناقشات العلمية حتى توفي  .  ولا تشير المصادر إلى تاريخ وفاته. ونتيجة لما كان يعيشه المخلاف السليماني آنذاك من الفوضى والاضطرابات؛ وإضافة إلى وهن الأسر المحلية الحاكمة، مثل: الأشراف آل القطبي والأشراف آل الخواجي، فقد سارع الشريف أحمد بن محمد آل خيرات   إلى استغلال هذه الظروف لصالحه، فتقرب إلى أعيان المخلاف السليماني معتمدًا على مكانة أسرته الاجتماعية والمادية والمكانة العلمية لجده خيرات، وارتباط مصالح أسرته بمصالح تجار بندر جازان ليصل إلى إمارة المخلاف  .  وعندما تولى الشريف أحمد إمارة المخلاف سنة 1141هـ / 1728م اصطدم بنفوذ الأشراف آل خواجي حكام المنطقة الواقعة شمال أبي عريش، لما يرونه من أحقيتهم منه بالإمارة  ،  لكن الشريف أحمد جرد عليهم حملة عسكرية فهزمهم واستولى على بلادهم، وظل الشريف أحمد في الإمارة حتى توفي سنة 1154هـ / 1741م، فخلفه في الإمارة ابنه الشريف محمد بن أحمد  ولم يكد الشريف محمد بن أحمد يتسلم إمارة المخلاف حتى واجهته مشكلات عديدة تمثلت في منافسة عمه الشريف حوذان   له على الإمارة، وكذلك منافسة بعض الأسر، مثل: آل القطبي، وآل النعمي  ،  وآل الخواجي، وقبائل درب بنو شعبة  ،  لكن الشريف محمد بن أحمد - في سبيل القضاء على هذه المشكلات - دخل في محالفات مع قبائل يام ليمدوه بالمقاتلين، وقد تمكن بمساعدة قوات قبائل يام في الغالب من إخماد كل حركات المناوئين له، وبسط سيطرته على المنطقة الممتدة من حرض جنوبًا حتى درب بنو شعبة في شمال المخلاف،   وظل محكمًا قبضته على مجريات الأمور حتى وفاته في سنة 1184هـ / 1770م. 
 
بعد وفاة الشريف محمد بن أحمد دَبَّ النـزاع   بين أبنائه على الإمارة، فقد أوصى الشريف محمد قبل وفاته بالإمارة إلى ابنه الثاني حيدر   لما لمس فيه من الكفاءة   دون ابنه الأكبر أحمد؛ مما جعل أبناء الشريف محمد ينقسمون إلى فريقين، فريق يؤيد الشريف حيدر لأنه - حسب رأيهم - الأحق بالإمارة وفق وصية والدهم، والفريق الآخر يؤيد الشريف أحمد لأنه أكبر أبناء الشريف محمد، لكن الشريف حيدر -حرصًا منه على مصلحة الأسرة - تنازل عن الإمارة لأخيه الأكبر الشريف أحمد.  
 
وبمجرد أن تولى الشريف أحمد الإمارة بسط يديه في العطاء لإخوته وبقية الأشراف رغبة منه في كسب مودتهم وتجنب منافستهم له على الإمارة  ،  لكن خاب أمله في ذلك فقد كان كل واحد منهم يرى أنه الأحق والأجدر بالحكم من أخيه، فدبَّ النـزاع بينهم إلى درجة أن بعضهم تولى الإمارة ثلاث مرات وبعضهم مرتين وبعضهم الآخر مرة واحدة. 
 
وكثيرًا ما لجأ أبناء الشريف محمد في صراعهم على الإمارة إلى الاستعانة بقبائل يام كما فعل الشريف حيدر على سبيل المثال  ،  وكانت هذه القبائل هي المستفيد الأول من الصراع بين الإخوة، حيث جنوا من وراء ذلك مبالغ طائلة، واستنـزفوا ما بأيدي الأشراف من ثروات، حتى إن بعض أولاد الشريف محمد كان من أسباب تنازله عن الإمارة عجزه عن سداد مستحقات القبائل اليامية. 
 
وقد استغل خصوم الأشراف آل خيرات في المخلاف السليماني- مثل الأشراف آل الخواجي- الضعفَ الذي حل بهذه الأسرة بسبب صراعاتهم، فحاولوا استعادة مكانتهم السياسية في صبيا، وثاروا على حاكمها الشريف ناصر بن محمد  ،  ولكنه بفضل مساعدة بعض إخوته استطاع إخماد تمرد الأشراف آل الخواجي. 
 
وكانت مدينة صبيا أكثر مدن المخلاف السليماني استقرارًا في فترة الفوضى والاضطرابات التي عمَّت المخلاف إبان الصراع بين أولاد الشريف محمد بن أحمد؛ بفضل الحنكة السياسية التي كان يتمتع بها أميرها الشريف ناصر بن محمد، فقد نجح في تجنب الصراع الدائر بين إخوته في أبي عريش؛ مما ساعده على الاستقلال بإمارته والاحتفاظ بها حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري. 
 
وقد ترتب على الصراع بين أولاد الشريف محمد انحسار سيطرة الأسرة عن بعض أجزاء شمال المخلاف السليماني: مثل: درب بنو شعبة، حيث استقلت قبائل بنو شعبة التي سبق أن أخضعها الشريف محمد ابن أحمد  .  ولم يتوقف الصراع بين أولاد الشريف محمد بن أحمد إلا في سنة 1204هـ / 1789م بعد أن أُُرهقوا من كثرة الخلافات والحروب الدائرة بينهم، ووجدوا أن المصلحة تقتضي الإجماع على إمارة الشريف يحيى بن محمد  ؛  لأنه أكبر الإخوة سنًا مقابل تعهده بالمحافظة على حقوقهم  .  وعلى ما يبدو ظل الشريف يحيى محتفظًا بإمارة المخلاف حتى عزل عنها في سنة 1214هـ / 1799م.




إرسال تعليق

أحدث أقدم